إنها قصة عجيبة حدثت فى وجود الرب يسوع فى الهيكل: “جاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم: الحق أقول لكم: إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا فى الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها” (مر12 42- 44)
أراد السيد المسيح أن يلقن تلاميذه درساً فى العطاء، وأن يعطيهم فكرة عن مقاييسه التى تختلف عن مقاييس عامة البشر، أراد أن يفهموا أن قيمة عمل الإنسان فى نظره لا تتوقف على حجم هذا العمل، ولكن على المشاعر والدوافع التى تقترن به، وأن كل فضيلة تخلو من الحب والاتضاع لا تحسب فضيلة عند الله.
لاشك أن هذه الأرملة قد امتلأ قلبها بمحبة الله ولهذا أعطت كل ما عندها، كل معيشتها. وبالفعل عاشت الوصية التى تقول “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك” (مت22: 37)
لقد عاشت هذه المرأة الوصية بغض النظر عن حالتها الشخصية فبالرغم من فقرها الشديد إلا أنها أرادت أن تنال بركة العطاء وتقديم العشور. ولكن ماذا تكون عشورها؟!.. ربما لا توجد عملة متاحة من النقود تساوى عشر الفلسين. وحتى لو وُجدت فإنها أرادت أن تقدم تكريماً لرب الجنود يتخطى الحد الأدنى للعطاء وهو العشور.. لذلك “ألقت كل ما عندها، كل معيشتها” (مر12: 44)، ولسان حالها يقول {اقبل يا رب تقدمتى المتواضعة التى لا تليق بجلالك.. ولكن هذا هو كل ما عندى}
كانت الملائكة تسبح بتسابيح البركة وكان المشهد عظيماً إهتزت له أعتاب السماء على مثال سلم يعقوب حاضراً بملائكته الأطهار صاعدين ونازلين وسجّل الإنجيل المقدس هذا المشهد العجيب ليكون عبرة للكنيسة فى جميع الأجيال.
إنها أنشودة حب ابتهج لها قلب السيد المسيح وأراد أن يلفت أنظار تلاميذه ليقفوا مبهورين أمام هذا المشهد العظيم الذى كان حضوره فيه هو مصدر جلاله وعظمته.
وخرجت الأرملة الفقيرة بكل وقار القداسة، محاطة بجماهير الملائكة الذين اجتذبهم حب هذه المرأة وتواضعها.




